ختان الإناث

أتذكر جيدا عندما كنت أعتقد أن ختان الإناث واجب شرعي، وأن الذين ينادون بعدم الختان مفسدون في الأرض يريدون لبناتنا الشر، يريدون أن تشتد شهوتهن ولا يستطعن السيطرة عليها فيقعن في الحرام، وكيف أن هؤلاء الشرذمة القليلة ينادون بتحرر المرأة، وكنت -وأقراني- نقول حينها: “هم عايزينها مليطة” وللأسف كان هذا رأي كثير من الناس، حتى هممتُ عام 2020 أن أكتب عن الختان، بدأت البحث والفهم فاصطدمتُ بأقوال غير تلك التي آمنتُ بها طيلة حياتي قبل أن أخوض بحر علم الجنس وشطآنه، فأخذتُ أبحث عن أقوال توافق الهوى غير مكترث حينها بضرورة كتابة الحق حتى لو خالف ما أنا عليه، وكنت أُعوِّل على أن لجنة المراجعة ربما تؤيد كلامي “وأعلقها برقبة عالم وأبات سالم” وكانت اللجنة مؤلفة من 4 أطباء نساء وصيدلي وطبيب ذكورة.. وطبيب جراحة تناسلية وهو مدير قسم الجراحة في مستشفى المحلة الكبرى د/هشام فهمي فتحي.

بعدما أنهيتُ مقالي عن ختان الإناث بما يوافق الهوى أرسلته للمراجعة، وبما هي إلا هُنيهة حتى تلقيتُ سيلا شديدا من الانتقاد اللاذع من دكتور هشام حتى كاد يسُبني، ولولا رباطة جأشي، ونهمتي للتعلم وقول الحق لكان الأمر خرج عن السيطرة، وبسطت له جناح الخضوع حتى أسمع منه، وقلتُ له علِّمني إذًا، فوافق على مقابلتي وأخذ يشرح كل شيء عن ختان الإناث حتى بلغت ساعات اللقاء ثمان ساعات كاملة، وبعد لقائنا مكثت شهرًا أبحث وأقرأ وأجمع بين الآراء، وأسمع من الذين ينادون بوجوب ختان الإناث وأسمع من الذين ينادون بأن ختان الإناث جريمة، حتى جمعتُ بين اثنين من المتناحرين أحدهما عالم أزهري يتقلد منصبا رفيعا، فأذعن الثاني للشيخ الأزهري بعدما قرعه الأخير بحجة دامغة وفهم معتدل للنصوص وتكييفها، وهذه الرحلة كانت ثرية جدا حتى كتبتُ مقالي هذا الذي أعدت صياغته ليناسب مدونة موقعنا، جمعتُ فيه رأي الشرع والطب معًا، ولا والله لا يتناقضان.. وهذا هو الحق الذي أحب أن ألقى الله عليه في مسألة ختان الإناث.

محتويات مقال ختان الإناث

  1. مقدمة: فهم ختان الإناث بين الحقيقة والمغالطة.
  2. التشابه التشريحي بين الذكر والأنثى.
  3. ختان الذكور: الأساس الطبي والوقائي.
  4. الختان الحق للإناث: المفهوم الطبي الصحيح.
  5. تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية: الممارسات الضارة.
  6. الموقف الشرعي والديني من ختان الإناث.
  7. الآراء الفقهية المعاصرة.
  8. التوجيهات الطبية والنصائح العملية
  9. خلاصة وتوصيات.

مقدمة: فهم ختان الإناث بين الحقيقة والمغالطة

يُعد موضوع ختان الإناث من أكثر القضايا إثارة للجدل في عصرنا الحالي، فـ وفقا لـ اليونيسف فإن أكثر من 230 مليون فتاة وامرأة على قيد الحياة اليوم تعرضن لتشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، وحيث تتداخل فيه المفاهيم الدينية والاجتماعية والطبية بطريقة معقدة تتطلب فهماً عميقاً ودقيقاً. إن الخلط بين المصطلحات والممارسات المختلفة قد أدى إلى سوء فهم كبير حول هذا الموضوع، مما جعل من الضروري توضيح الحقائق العلمية والشرعية بشكل شامل ومفصل.

من الأهمية بمكان أن نميز بوضوح بين ما يُعرف بـ “الختان الحقيقي” أو “الختان الشرعي” الذي قد يكون له أساس طبي وشرعي محدد، وبين “تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية” (Female Genital Mutilation – FGM) الذي يُعتبر جريمة مكتملة الأركان ضد الإنسانية. هذا التمييز ليس مجرد تفصيل أكاديمي، بل هو أساس فهم القضية برمتها والوصول إلى حلول عملية تحمي الفتيات من الأذى وتحترم في الوقت نفسه المعتقدات الدينية الصحيحة.

إن الهدف من هذا المقال الشامل هو تقديم رؤية متوازنة ومبنية على الأدلة العلمية والشرعية، تساعد الآباء والأمهات والمجتمعات على اتخاذ قرارات مدروسة ومسؤولة. كما نسعى إلى تصحيح المفاهيم الخاطئة التي انتشرت حول هذا الموضوع، وتوضيح الفرق الجوهري بين الممارسات الطبية المبررة والممارسات الضارة التي لا أساس لها من الصحة أو الشرع.

لقد اعتمدت في إعداد هذا المقال على أحدث الأبحاث الطبية والدراسات العلمية، بالإضافة إلى آراء كبار العلماء والفقهاء المعاصرين من مختلف المذاهب الإسلامية. كما استعت بتوجيهات المنظمات الصحية الدولية والمؤسسات الدينية المعتبرة لضمان تقديم معلومات دقيقة وموثوقة.

التشابه التشريحي بين الذكر والأنثى

لفهم موضوع ختان الإناث بشكل علمي صحيح، لا بد من البدء بفهم الأساس التشريحي والتطوري للأعضاء التناسلية في الإنسان. إن هذا الفهم يوضح لنا سبب وجود تشابه كبير بين الأعضاء التناسلية الذكرية والأنثوية، ويساعدنا على فهم الأساس المنطقي وراء بعض الممارسات الطبية.

التطور الجنيني والأصل المشترك

عندما خلقنا الله سبحانه وتعالى أجنة في بطون أمهاتنا، كانت خلايانا وأعضاؤنا متشابهة تماماً، ذكوراً وإناثاً. في المراحل الأولى من التطور الجنيني، لا يمكن التمييز بين الجنين الذكر والأنثى من الناحية التشريحية. هذا التشابه الأولي ليس مصادفة، بل هو جزء من الحكمة الإلهية في الخلق والتصميم.

بتأثير الهرمونات الجنسية، وتحديداً هرمون التستوستيرون في الذكور وغيابه النسبي في الإناث، تبدأ الخلايا في التخصص والتمايز. هذه العملية المعقدة تؤدي إلى تطور الأعضاء التناسلية وأخذها أشكالها المميزة، سواء كانت ذكرية أو أنثوية. لكن الأصل يبقى واحداً، والتشابه في التركيب الأساسي يبقى واضحاً للمتخصصين.

التماثل في الأعضاء الداخلية

الخلايا التي تكون الخصية في الذكر هي نفسها التي تكون المبيض في الأنثى. كلاهما ينشأ من نفس النسيج الجنيني ويؤدي وظائف متشابهة في إنتاج الخلايا التناسلية والهرمونات الجنسية. وبالمثل، فإن الخلايا التي تكون الرحم وقناتي فالوب في الأنثى هي نفسها التي تكون البروستاتا والحويصلات المنوية في الذكر.

هذا التماثل في الأصل يفسر لنا سبب وجود بعض التشابهات في المشاكل الصحية والعلاجات بين الجنسين. كما يوضح لنا الأساس العلمي وراء بعض الممارسات الطبية التي قد تبدو متشابهة ظاهرياً ولكنها تختلف في التفاصيل والنتائج.

التشابه في الأعضاء الخارجية

إذا نظرنا إلى الأعضاء التناسلية الخارجية، نجد تشابهاً مذهلاً في التركيب الأساسي. الجزء الذي يكون القضيب (Penis) في الذكر هو نفسه الذي يكون البظر (Clitoris) والشفرات الداخلية (Labia Minora) في الأنثى. وما يكون كيس الصفن (Scrotum) في الذكر يصبح الشفرات الخارجية (Labia Majora) في الأنثى.

هذا التشابه ليس مجرد فضول علمي، بل له تطبيقات عملية مهمة في الطب. فعلى سبيل المثال، البظر في الأنثى يحتوي على نفس النوع من النسيج الحساس الموجود في رأس القضيب عند الذكر، مما يفسر أهميته في الوظيفة الجنسية. كما أن وجود “القلفة” أو الغطاء الجلدي في كلا الجنسين يطرح تساؤلات مشابهة حول الحاجة إلى التدخل الطبي في بعض الحالات.

الدلالات الطبية للتشابه التشريحي

إن فهم هذا التشابه التشريحي يساعدنا على فهم سبب وجود ممارسات طبية متشابهة للجنسين في بعض الحالات. فكما أن ختان الذكور له مبرراته الطبية المحددة، فإن هناك حالات نادرة قد تتطلب تدخلاً طبياً مشابهاً عند الإناث، ولكن بضوابط وشروط مختلفة تماماً.

هذا الفهم العلمي يوضح لنا أيضاً خطورة التعميم أو القياس الخاطئ. فرغم التشابه في الأصل، إلا أن التطور والوظيفة النهائية للأعضاء تختلف بشكل كبير بين الجنسين. ما قد يكون مفيداً أو ضرورياً للذكر قد يكون ضاراً أو غير مبرر للأنثى، والعكس صحيح.

الخلاصة أن التركيب التشريحي الأساسي متقارب جداً بين الذكر والأنثى، ولكن هذا التقارب يتطلب فهماً دقيقاً للاختلافات الوظيفية والتطورية لتجنب الوقوع في أخطاء طبية أو شرعية خطيرة.

ختان الذكور: الأساس الطبي والوقائي

لفهم موضوع ختان الإناث بشكل صحيح، من المهم أولاً أن نفهم الأساس الطبي والشرعي لختان الذكور، والذي يُعتبر نموذجاً مرجعياً لفهم ما يُمكن أن يُعتبر “ختاناً حقيقياً” مقابل الممارسات الضارة.

التركيب التشريحي للقضيب والقلفة

يُولد معظم الذكور بجلد زائد يغطي رأس القضيب يُسمى “القلفة” (Foreskin أو Prepuce). هذه القلفة عبارة عن طبقة مزدوجة من الجلد تحتوي على أوعية دموية وأعصاب، وتغطي الحشفة (رأس القضيب) بشكل كامل أو جزئي. في الحالة الطبيعية، تكون هذه القلفة قابلة للسحب للخلف لكشف الحشفة، ولكن في بعض الحالات قد تكون ضيقة أو ملتصقة.

تشكل القلفة جيباً أو فراغاً بينها وبين رأس القضيب، وهذا الفراغ يمكن أن يصبح بيئة مناسبة لتجمع الإفرازات والبكتيريا. هذه البيئة الرطبة والدافئة تُعتبر مثالية لنمو الميكروبات المختلفة، مما قد يؤدي إلى التهابات متكررة إذا لم تُحافظ على النظافة بشكل مناسب.

المبررات الطبية لختان الذكور

الوقاية من الالتهابات

إن إزالة القلفة تقضي على الجيب الذي يمكن أن تتجمع فيه البكتيريا والإفرازات، مما يقلل بشكل كبير من خطر الإصابة بالتهابات الجهاز البولي والتناسلي. الدراسات الطبية أظهرت أن الذكور المختونين أقل عرضة للإصابة بالتهابات المسالك البولية، خاصة في السنوات الأولى من العمر.

تحسين النظافة الشخصية

بدون القلفة، يصبح تنظيف المنطقة التناسلية أسهل وأكثر فعالية. هذا مهم بشكل خاص للأطفال الصغار الذين قد لا يكونوا قادرين على الحفاظ على النظافة المطلوبة، وللبالغين في الظروف التي قد تكون فيها النظافة الشخصية صعبة.

الوقاية من بعض الأمراض

أظهرت الدراسات الطبية أن ختان الذكور يمكن أن يقلل من خطر الإصابة ببعض الأمراض المنقولة جنسياً، بما في ذلك فيروس نقص المناعة البشرية (HIV). كما أنه يقلل من خطر الإصابة بسرطان القضيب، وإن كان هذا المرض نادراً نسبياً.

تحسين الوظيفة الجنسية

تغطية القلفة لرأس القضيب قد تؤثر على الحساسية والإحساس أثناء العلاقة الجنسية. بعض الدراسات تشير إلى أن إزالة القلفة قد تحسن من الوظيفة الجنسية والرضا الجنسي، وإن كانت هذه النقطة ما زالت محل جدل في الأوساط الطبية.

الحالات الخاصة: الإحليل السفلي

ليس كل الذكور يحتاجون إلى الختان بنفس الدرجة. هناك حالة طبية تُسمى “الإحليل السفلي” (Hypospadias) حيث تكون فتحة البول ليست في قمة القضيب كما هو طبيعي، بل في مكان أسفل منه. في الحالات الشديدة، قد تكون الفتحة في منطقة العجان، مما يثير تساؤلات حول الجنس الحقيقي للطفل.

في هذه الحالات، تكون القلفة غالباً غير مكتملة أو غائبة، والأهم من ذلك أن الجلد المتبقي قد يكون مطلوباً لعمليات الإصلاح الجراحية. لذلك، ينصح الأطباء بعدم إجراء الختان للأطفال المصابين بالإحليل السفلي حتى يتم إجراء العمليات التصحيحية اللازمة أولاً.

الختان كشعيرة دينية وفطرة وموروث عقدي وثقافي

بالإضافة إلى المبررات الطبية، يُعتبر ختان الذكور شعيرة دينية مهمة في ديننا الإسلام، وهو فطرة الأنبياء وأبينا إبراهيم عليه السلام، وممارسة اجتماعية منتشرة في كثير من الثقافات. هذا البُعد الديني والاجتماعي يضيف أهمية إضافية للممارسة، ويجعلها جزءاً من الهوية الدينية والثقافية للمجتمعات.

في الإسلام، يُعتبر الختان من سنن الفطرة، وهو واجب، أو مستحب بقوة حسب آراء المذاهب المختلفة. هذا الحكم الشرعي مدعوم بالمبررات الطبية التي ذكرناها، مما يجعل الختان ممارسة متوازنة تجمع بين الفائدة الصحية والامتثال الديني.

الختان الحق للإناث: المفهوم الطبي الصحيح

بعد أن فهمنا الأساس الطبي والشرعي لختان الذكور، يمكننا الآن أن نتناول موضوع “الختان الحق” للإناث، والذي يختلف جذرياً عن الممارسات الضارة التي تُعرف خطأً باسم “ختان الإناث” في كثير من المجتمعات.

التشابه التشريحي: وجود “القلفة” عند الإناث

على غرار وجود القلفة لدى الذكور، قد يوجد لدى بعض الإناث غطاء جلدي زائد يغطي البظر يُسمى طبياً “غطاء البظر” (Clitoral Hood) أو (Prepuce). هذا الغطاء هو المقابل التشريحي للقلفة عند الذكور، وينشأ من نفس النسيج الجنيني أثناء التطور.

من المهم أن نفهم أن وجود هذا الغطاء ليس أمراً شائعاً بنفس درجة وجود القلفة عند الذكور. معظم الإناث لا يعانين من وجود غطاء زائد يسبب مشاكل، وهذا هو الفرق الجوهري الأول بين الجنسين في هذا الموضوع.

التعريف الفقهي للختان الشرعي

الختان الشرعي للأنثى، كما عرفه الفقهاء عبر التاريخ، هو “أخذ بعض جلدة فوق محل الإيلاج تُشبه عُرف الديك”. وقد وصفه المحقق ابن القيم رحمه الله بدقة أكبر قائلاً: “هي كعرف الديك في أعلى الفرج بين الشَّفْرَين فوقَ مدخل الذكر، وإذا قُطعت، يبقى أصلها كالنواة”.

هذا التعريف الدقيق يوضح أن الختان الشرعي لا يتعرض إطلاقاً لما يُسمى اليوم “البظر” (Clitoris) نفسه، وإنما هو أخذٌ محدود جداً من الجلدة الزائدة التي قد تغطي البظر، والتي تُعرف طبياً بـ “غطاء البظر” (Clitoral Hood). والمستحب في هذا الإجراء هو أخذ قدر يسير جداً فقط، وهو ما يُسمى في الفقه “الإشمام”.

المقابل الطبي الحديث: عملية Hoodectomy

في الطب الحديث، يوجد إجراء طبي يُسمى “Hoodectomy” أو “Clitoral Hood Reduction”، وهو عملية تجميلية تهدف إلى إزالة الجلد الزائد من غطاء البظر. هذه العملية تُجرى في الغرب كإجراء تجميلي اختياري، وتُعتبر من العمليات الآمنة والمقبولة طبياً.

الهدف من هذه العملية قد يكون تجميلياً بحتاً، أو قد يكون لحل مشاكل وظيفية مثل:

  • التهابات متكررة بسبب تجمع الإفرازات تحت الغطاء الزائد
  • إعاقة الإحساس أثناء العلاقة الزوجية بسبب تغطية البظر المفرطة
  • عدم الراحة أثناء ممارسة الرياضة أو الأنشطة اليومية

الشروط الطبية والشرعية للإجراء

إذا كان هناك حاجة طبية حقيقية لإجراء “الختان الحق” للأنثى، فإن هناك شروطاً صارمة يجب توفرها:

الشروط الطبية:

  1. وجود غطاء زائد فعلاً يسبب مشاكل صحية أو وظيفية.
  2. فشل العلاجات التحفظية الأخرى.
  3. إجراء العملية بواسطة طبيب مختص ومؤهل.
  4. توفر بيئة طبية آمنة ومعقمة..
  5. عدم وجود مخاطر صحية تفوق الفوائد المتوقعة.

الشروط الشرعية والأخلاقية:

  1. أن تكون المرأة بالغة وعاقلة وقادرة على اتخاذ القرار بنفسها.
  2. أن تكون هناك حاجة طبية حقيقية وليس مجرد عادة اجتماعية.
  3. أن يتم الإجراء وفقاً للضوابط الشرعية للعلاج الطبي.
  4. ألا يتم المساس بأي جزء من البظر نفسه أو الأعضاء الوظيفية.

الفرق بين الختان الحق والتشويه

من الضروري أن نؤكد على الفرق الجوهري بين “الختان الحق” كما وصفناه أعلاه، وبين ما يُمارس خطأً تحت اسم “ختان الإناث” في كثير من المجتمعات. الختان الحق:

  1. لا يمس البظر نفسه أبداً.
  2. لا يؤثر على النهايات العصبية الحسية.
  3. لا يسبب تشويهاً للأعضاء التناسلية.
  4. قد يحسن من الوظيفة الجنسية بدلاً من إعاقتها.
  5. يُجرى فقط عند وجود حاجة طبية حقيقية.
  6. يتم بواسطة متخصصين في بيئة طبية آمنة.

هذا الإجراء المحدود والمشروط هو الوحيد الذي يمكن أن يُطلق عليه “ختان” بالمعنى الشرعي والطبي الصحيح. أما ما عداه من الممارسات فهو تشويه محض لا علاقة له بالشرع أو الطب.

تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية: الممارسات الضارة

بعد أن وضحنا المفهوم الصحيح للختان الحق، نأتي الآن إلى الجانب المظلم من هذا الموضوع، وهو ما يُعرف عالمياً بـ “تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية” (Female Genital Mutilation – FGM). هذه الممارسات تختلف جذرياً عن الختان الحق، وتُعتبر جريمة ضد الإنسانية لا تمت للدين أو الطب بأي صلة.

تعريف تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية

تُعرف منظمة الصحة العالمية تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية بأنه “جميع الإجراءات التي تنطوي على الإزالة الجزئية أو الكلية للأعضاء التناسلية الأنثوية الخارجية، أو إلحاق أضرار أخرى بهذه الأعضاء لأسباب غير طبية”. هذا التعريف يشمل مجموعة واسعة من الممارسات الضارة التي لا تستند إلى أي أساس علمي أو شرعي صحيح.

أنواع تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية

تصنف منظمة الصحة العالمية هذه الممارسات إلى أربعة أنواع رئيسية:

1.      النوع الأول: الاستئصال الجزئي أو الكلي للبظر

يشمل هذا النوع إزالة البظر جزئياً أو كلياً، وأحياناً إزالة القلفة المحيطة به. هذا النوع يدمر العضو الأكثر حساسية في الجهاز التناسلي الأنثوي، مما يؤدي إلى فقدان كبير في الإحساس والقدرة على الوصول إلى النشوة الجنسية.

2.      النوع الثاني: الاستئصال الجزئي أو الكلي للبظر والشفرين الصغيرين

هذا النوع أكثر تدميراً من الأول، حيث يشمل إزالة البظر والشفرين الصغيرين، وأحياناً الشفرين الكبيرين أيضاً. هذا الإجراء يؤدي إلى تشويه شديد في المنطقة التناسلية ومضاعفات صحية خطيرة.

3.      النوع الثالث: التضييق أو الإغلاق (الخياطة)

يُعرف هذا النوع أيضاً بـ “الختان الفرعوني”، ويشمل تضييق فتحة المهبل عن طريق قطع وإعادة وضع الشفرين الصغيرين أو الكبيرين، مع أو بدون إزالة البظر. هذا النوع هو الأكثر تدميراً وخطورة، ويؤدي إلى مضاعفات صحية شديدة قد تستمر مدى الحياة.

4.      النوع الرابع: إجراءات أخرى ضارة

يشمل هذا النوع جميع الإجراءات الضارة الأخرى للأعضاء التناسلية الأنثوية لأغراض غير طبية، مثل الوخز والثقب والشق والكشط وكي المنطقة التناسلية.

الأضرار الجسدية لتشويه الأعضاء التناسلية

الأضرار الفورية

  • النزيف الحاد: قد يؤدي إلى الوفاة في بعض الحالات.
  • الألم الشديد: بسبب قطع الأعصاب الحساسة.
  • الصدمة: نتيجة الألم والفقدان الشديد للدم.
  • العدوى: بسبب استخدام أدوات غير معقمة.
  • مشاكل في التبول: بسبب التورم والألم.
  • مشاكل في التئام الجروح: خاصة في المناطق الحساسة.

الأضرار طويلة المدى

  • التهابات المسالك البولية المتكررة: بسبب تغيير تشريح المنطقة.
  • مشاكل في الدورة الشهرية: بما في ذلك عسر الطمث الشديد.
  • الألم المزمن: في منطقة الحوض والأعضاء التناسلية.
  • مشاكل جنسية: تشمل الألم أثناء الجماع وفقدان الرغبة الجنسية.
  • مضاعفات الولادة: تشمل الولادة المتعسرة والحاجة إلى العملية القيصرية.
  • زيادة خطر الوفاة أثناء الولادة: للأم والطفل على حد سواء.

الأضرار النفسية والاجتماعية

الصدمة النفسية

تتعرض الفتاة التي تُجرى لها هذه الممارسات لصدمة نفسية عميقة تبدأ من لحظة الإجراء وقد تستمر مدى الحياة. هذه الصدمة تنشأ من عدة عوامل:

  • خيانة الثقة: الطفلة التي تُعلم طوال حياتها أن المنطقة التناسلية خاصة ولا يجب لأحد أن يلمسها، تجد نفسها فجأة عرضة لتدخل عنيف من أشخاص غرباء بموافقة أهلها.
  • الألم الشديد: الذي يترك ذكريات مؤلمة تؤثر على العلاقة مع الجسد والجنسانية.
  • فقدان الأمان: الشعور بأن الجسد ليس آمناً وأنه عرضة للأذى من الأشخاص المفترض أن يحموه

اضطرابات ما بعد الصدمة

كثير من النساء اللواتي تعرضن لهذه الممارسات يعانين من أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، والتي تشمل:

  • الكوابيس والذكريات المؤلمة.
  • تجنب أي شيء يذكر بالحادثة.
  • القلق والاكتئاب.
  • صعوبة في النوم والتركيز.
  • نوبات الهلع

تأثير على العلاقات الزوجية

تشويه الأعضاء التناسلية يؤثر بشكل كبير على الحياة الزوجية والجنسية للمرأة:

  • الألم أثناء الجماع: مما يجعل العلاقة الزوجية مصدر معاناة بدلاً من المتعة.
  • فقدان الرغبة الجنسية: نتيجة ربط الجنسانية بالألم والمعاناة.
  • عدم القدرة على الوصول للنشوة: بسبب إزالة الأعضاء الحساسة.
  • مشاكل في الخصوبة: في بعض الحالات الشديدة

المبررات الخاطئة لهذه الممارسات

1.      الحفاظ على العفة والشرف

هذا من أكثر المبررات شيوعاً وأكثرها خطأً. الاعتقاد بأن تشويه الأعضاء التناسلية يحافظ على عفة الفتاة ويمنعها من الانحراف هو اعتقاد جاهل لا يستند إلى أي أساس علمي أو شرعي. الشهوة الجنسية منبعها الدماغ وليس الأعضاء التناسلية، وتشويه هذه الأعضاء لا يقلل من الرغبة الجنسية بل يجعل إشباعها مؤلماً ومستحيلاً.

2.      التقاليد والعادات الاجتماعية

كثير من المجتمعات تمارس هذه العادات لأنها “تقليد موروث” دون فهم أصوله أو مبرراته. هذا النوع من التبرير يتجاهل حقيقة أن التقاليد يجب أن تخدم الإنسان وليس أن تؤذيه، وأن أي تقليد يسبب ضرراً يجب التخلي عنه.

3.      المبررات الدينية الخاطئة

بعض المجتمعات تبرر هذه الممارسات بادعاءات دينية خاطئة، رغم أن جميع الأديان السماوية تحرم إيذاء الإنسان بلا مبرر. كما سنوضح في الأقسام التالية، فإن الإسلام يحرم هذه الممارسات ويعتبرها تعدياً على خلق الله.

4.      الواقع المؤلم: انتشار هذه الممارسات

للأسف، تشير الإحصائيات إلى أن هذه الممارسات الضارة هي الأكثر انتشاراً تحت مسمى “ختان الإناث” في كثير من المجتمعات. هذا يعني أن الغالبية العظمى مما يُسمى “ختان الإناث” هو في الحقيقة تشويه إجرامي لا علاقة له بالختان الشرعي الحقيقي.

هذا الواقع المؤلم يتطلب جهوداً مضاعفة للتوعية والتعليم، وتوضيح الفرق بين الممارسات الشرعية الصحيحة والممارسات الضارة التي تُمارس باسم الدين زوراً وبهتاناً.

الموقف الشرعي والديني من ختان الإناث

إن الموقف الشرعي من ختان الإناث يتطلب تمييزاً دقيقاً بين المفاهيم المختلفة، وفهماً عميقاً للنصوص الشرعية والمقاصد الإسلامية. لقد حسمت المؤسسات الدينية المعتبرة في العالم الإسلامي موقفها من تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، كما وضحت الضوابط الشرعية للممارسات الطبية المشروعة.

الأدلة الشرعية وتحليلها

الأحاديث النبوية المتعلقة بالموضوع

أشهر الأحاديث التي يُستدل بها في هذا الموضوع هو حديث أم عطية رضي الله عنها، والذي روته عدة مصادر بألفاظ متقاربة. أشهر هذه الروايات: “أشمِّي ولا تنهكي فإنَّهُ أسرى للوجهِ وأحظى عند الزوجِ”. هذا الحديث، وإن كان فيه ضعف في السند عند بعض المحدثين، إلا أن معناه يحمل دلالات مهمة جداً.

تحليل مفردات الحديث:

“أشمِّي”: من الإشمام، وهو الأخذ اليسير جداً، كما يُشم الطيب دون إفراط.

“لا تنهكي”: النهك هو المبالغة والإفراط في القطع، والنهي عنه واضح وصريح.

“أسرى للوجه”: أي أكثر إشراقاً ونضارة للوجه.

“أحظى عند الزوج”: أي أكثر حظوة ورضا من الزوج.

هذا الحديث يضع ضوابط واضحة جداً: الإشمام (الأخذ اليسير) مقبول، والإنهاك (المبالغة في القطع) منهي عنه. كما أن الهدف المذكور هو تحسين الحياة الزوجية وليس كبت الشهوة أو منع المتعة.

مقاصد الشريعة في هذا الباب

الشريعة الإسلامية تقوم على مقاصد عليا تهدف إلى تحقيق مصالح الإنسان ودرء المفاسد عنه. في موضوع ختان الإناث، نجد أن المقاصد الشرعية تؤكد على:

  1. حفظ النفس: أي حماية الإنسان من الأذى والضرر، وهذا يشمل حماية الفتيات من أي ممارسات تضر بصحتهن الجسدية أو النفسية.
  2. حفظ النسل: أي حماية القدرة على الإنجاب والحياة الزوجية السليمة، وهذا يتطلب الحفاظ على الوظائف الطبيعية للأعضاء التناسلية.
  3. حفظ العقل: أي حماية الصحة النفسية والعقلية، وتجنب ما يسبب الصدمات النفسية أو الاضطرابات.

هذه المقاصد تؤكد أن أي ممارسة تضر بالصحة الجسدية أو النفسية أو تعيق الحياة الزوجية الطبيعية هي مخالفة لمقاصد الشريعة، حتى لو ادُّعي أنها “دينية”.

موقف المؤسسات الدينية المعتبرة

·      الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية

أكد مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، ودار الإفتاء المصرية، بالإجماع، عدة نقاط مهمة:

  1. عدم وجود نص قرآني: لا يوجد في القرآن الكريم أي نص يأمر بختان الإناث أو يشير إليه.
  2. ضعف الأحاديث: الأحاديث التي يُستدل بها على وجوب ختان الإناث ضعيفة السند وغير صحيحة.
  3. عدم ختان بنات النبي: لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم ختن بناته، وهذا دليل قوي على عدم الوجوب.
  4. التحريم الشرعي: ما يُمارس اليوم تحت مسمى “ختان الإناث” هو تشويه محرم شرعاً.
  5. وجوب المعاقبة: يجب معاقبة من يمارس هذه الأعمال الإجرامية.

·      المجمع الفقهي الإسلامي الدولي

أصدر المجمع الفقهي الإسلامي الدولي قراراً مهماً (رقم 220) يوضح الموقف الشرعي بدقة:

  1. التمييز بين المفاهيم: فرق المجمع بين “الخفاض” (الأخذ اليسير من الجلدة فوق البظر) وبين “تشويه الأعضاء التناسلية”.
  2. عدم الممارسة الواسعة: أكد أن “الخفاض” لا يُمارس في أكثر بلدان العالم الإسلامي.
  3. التحريم القاطع: حرم بشكل قاطع أي مساس بأجزاء الجهاز التناسلي الأنثوي يؤدي إلى ضرر.
  4. التجريم الشرعي: اعتبر هذه الممارسات جريمة يُعاقب عليها شرعاً.

·      الآراء الفقهية التفصيلية

رأي المذهب الحنبلي والشافعي

يرى بعض فقهاء المذهبين الحنبلي والشافعي أن ختان الأنثى واجب أو مستحب، ولكن بشروط وضوابط صارمة:

  1. التعريف الدقيق: الختان هو أخذ جلدة يسيرة فوق البظر تشبه عرف الديك.
  2. عدم المساس بالبظر: لا يجوز المساس بالبظر نفسه أو أي جزء وظيفي.
  3. الإشمام وليس الإنهاك: يجب أن يكون الأخذ يسيراً جداً (إشمام) وليس مبالغة (إنهاك).
  4. الهدف التحسيني: الهدف هو التحسين وليس الكبت أو المنع.
الرأي القائل بعدم الوجوب

توجد رواية أخرى في المذهب الحنبلي وآراء في مذاهب أخرى تقول بعدم وجوب ختان الأنثى. هذا الرأي يستند إلى:

  1. ضعف الأدلة: ضعف الأحاديث الواردة في الموضوع..
  2. عدم الممارسة النبوية: عدم ثبوت ختان النبي لبناته.
  3. اختلاف التركيب: الاختلاف في التركيب التشريحي بين الذكر والأنثى.
  4. درء المفاسد: تجنب المفاسد المحتملة من سوء الفهم أو التطبيق.
الضوابط الشرعية للممارسة الطبية

إذا كان هناك حاجة طبية حقيقية لأي تدخل في المنطقة التناسلية، فإن الشريعة تضع ضوابط واضحة:

ضوابط الضرورة الطبية
  1. وجود مرض أو مشكلة حقيقية: لا يجوز التدخل إلا لعلاج مشكلة موجودة فعلاً.
  2. فشل البدائل: يجب تجربة العلاجات الأخرى قبل اللجوء للجراحة.
  3. غلبة المصلحة: يجب أن تكون المصلحة المتوقعة أكبر من المضار المحتملة.
  4. الاختصاص: يجب أن يقوم بالإجراء طبيب مختص ومؤهل.
ضوابط الموافقة والرضا
  1. البلوغ والرشد: يجب أن تكون المريضة بالغة وعاقلة.
  2. الموافقة المستنيرة: يجب أن تفهم المريضة طبيعة الإجراء ومخاطره وبدائله.
  3. عدم الإكراه: يجب أن يكون القرار حراً وغير مُكره.
  4. الاستشارة: يُستحب استشارة أكثر من طبيب في الحالات المعقدة.
خلاصة الموقف الشرعي

الموقف الشرعي الصحيح يمكن تلخيصه في النقاط التالية:

  1. تحريم التشويه: تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية محرم شرعاً بالإجماع.
  2. جواز العلاج الطبي: العلاج الطبي المبرر والمحدود جائز بشروطه.
  3. عدم الوجوب العام: لا يوجب الشرع ختان الإناث كممارسة عامة.
  4. احترام الاختلاف: احترام الاختلاف الفقهي في المسائل الفرعية.
  5. الأولوية للسلامة: عند الشك، الأولوية لسلامة الإنسان وعدم إيذائه.

الآراء الفقهية المعاصرة وحكم ختان الإناث

في ضوء التطورات الطبية الحديثة والفهم المتقدم لعلم التشريح ووظائف الأعضاء، تطورت الآراء الفقهية المعاصرة لتواكب هذه المستجدات. من المهم أن نستعرض هذه الآراء بتفصيل لفهم الموقف الشرعي المعاصر من هذه القضية.

·      رأي الدكتور كريم حلمي “طبيب، فقيه حنبلي” مثالا للمدرسة الطبية الشرعية المحافظة.

يمثل الدكتور كريم حلمي وجهة نظر فقهية محافظة تحاول التوفيق بين النصوص التراثية والواقع المعاصر. هذا الرأي يتميز بعدة خصائص:

الموقف من وجوب ختان الإناث

يرى أصحاب هذا الاتجاه أن ختان الأنثى واجب عند الحنابلة والشافعية، مثله مثل ختان الذكر. ويستندون في ذلك إلى عدة حجج:

  1. عدم اختصاص الحكم بالذكور: يرون أن الفعل لم يكن مختصاً بالرجال زمن التشريع، وأن النساء يشاركن الرجال في وجود “القلفة” الزائدة”.
  2. الانتماء للملة الإبراهيمية: اعتبار الختان من السمات الجسدية للإبراهيمية الحنيفية، وهذا لا يختص بجنس دون آخر.
  3. وجود رواية أخرى: الإقرار بوجود رواية أخرى في المذهب بعدم الوجوب، والتي يُعمل بها في كثير من الأماكن اليوم.

التعريف الدقيق للختان الشرعي

يؤكد هذا الاتجاه على التعريف الدقيق للختان الشرعي:

  • التحديد التشريحي: “أخذ بعض جلدة فوق محل الإيلاج تُشبه عُرف الديك”.
  • عدم المساس بالبظر: التأكيد على أن الختان الشرعي لا يتعرض للبظر نفسه.
  • الاقتصار على الغطاء: الاكتفاء بأخذ جزء من غطاء البظر (Clitoral Hood).
  • الإشمام وليس الإنهاك: التأكيد على أن المطلوب هو الإشمام (الأخذ اليسير) وليس الإنهاك.

الموقف من الممارسات الضارة

يتخذ هذا الاتجاه موقفاً حازماً من الممارسات الضارة:

  • رفض التشويه: اعتبار الصور الإجرامية من قطع البظر أو الأشفار ليست من الشرع في شيء.
  • محاربة التسمية الخاطئة: رفض تسمية التشويه “ختاناً” لأن هذا يربط الممارسات الإجرامية بالشرع.
  • التأكيد على الضرر: التأكيد على أن هذه الممارسات تدخل في معنى “الإنهاك” المنهي عنه شرعاً

التوجيهات العملية

يقدم هذا الاتجاه توجيهات عملية مهمة:

  • عدم التشديد: عدم حمل الناس على رواية الوجوب في ظل الضبابية والجهل السائد.
  • التعليم والتوعية: التأكيد على أهمية تعليم الناس الفرق بين الختان الشرعي والتشويه الإجرامي.
  • الإشراف الطبي: وجوب الذهاب إلى طبيبة مؤهلة والتأكد من الصورة الصحيحة للإجراء.
  • التأهيل النفسي: أهمية التأهيل النفسي والتمهيد الحسن، خاصة للأطفال

نقد فتاوى المنع المطلق

يوجه هذا الاتجاه نقداً شديداً لفتاوى المنع المطلق، معتبراً إياها:

  • كذباً على الدين: اعتبار هذه الفتاوى تقتضي أن النبي والصحابة والفقهاء أقروا حراماً.
  • إسقاطاً للدين: اتهام أصحاب هذه الفتاوى بإماتة شعائر الإسلام تحت الضغط الاجتماعي.
  • منهجاً خاطئاً: اعتبار أن محاربة الجهل لا تكون بإماتة الشعائر بل بالتعليم والتوعية.

الموقف المتوازن للمؤسسات الدينية المعتدلة

في المقابل، تتخذ كثير من المؤسسات الدينية المعتدلة موقفاً أكثر توازناً يراعي الواقع المعاصر والمصالح الشرعية:

التمييز بين المستويات

تميز هذه المؤسسات بين عدة مستويات:

  1. المستوى النظري: الاعتراف بوجود خلاف فقهي حول المسألة.
  2. المستوى العملي: التأكيد على أن الممارسة الشائعة اليوم هي تشويه وليس ختان.
  3. المستوى الاجتماعي: مراعاة الواقع الاجتماعي والحاجة لحماية الفتيات.

الأولويات الشرعية

تركز هذه المؤسسات على الأولويات الشرعية:

  • حفظ النفس: إعطاء الأولوية لحماية الفتيات من الأذى.
  • درء المفاسد: تطبيق قاعدة “درء المفاسد أولى من جلب المصالح”.
  • المصلحة العامة: مراعاة المصلحة العامة في منع الممارسات الضارة

التوجه التربوي

تتبنى هذه المؤسسات توجهاً تربوياً شاملاً:

  • التعليم الديني الصحيح: تعليم الناس الفرق بين الشرع والعادات.
  • التوعية الصحية: نشر الوعي الصحي حول أضرار التشويه.
  • التربية الجنسية الإسلامية: تقديم تربية جنسية صحيحة من منظور إسلامي

الاتجاه الطبي الشرعي المعاصر

يمثل هذا الاتجاه محاولة للتوفيق بين الطب الحديث والشريعة الإسلامية: ينظر للأمر برمته عبر مبادئ أساسية

  1. الضرورة الطبية: لا تدخل إلا عند وجود ضرورة طبية حقيقية.
  2. الموافقة المستنيرة: ضرورة موافقة المريضة البالغة العاقلة.
  3. الاختصاص الطبي: وجوب إجراء أي تدخل بواسطة طبيب مختص.
  4. البيئة الآمنة: ضرورة توفر بيئة طبية آمنة ومعقمة.
  5. تقييم كل حالة على حدة: عدم التعميم والنظر لكل حالة بشكل فردي.
  6. استشارة متعددة: الحصول على آراء طبية متعددة قبل اتخاذ القرار.
  7. المتابعة الطبية: ضرورة المتابعة الطبية بعد أي إجراء.
  8. التقييم النفسي: مراعاة الجانب النفسي والاجتماعي للمريضة.

خلاصة الآراء الفقهية المعاصرة

يمكن تلخيص الآراء الفقهية المعاصرة في عدة نقاط:

  1. الإجماع على تحريم التشويه: جميع الاتجاهات الفقهية المعتبرة تحرم تشويه الأعضاء التناسلية.
  2. الخلاف في التفاصيل: يوجد خلاف في تفاصيل الختان الشرعي ومدى وجوبه.
  3. الأولوية للسلامة: عند الشك، الأولوية لسلامة الإنسان وعدم إيذائه.
  4. أهمية التعليم: التأكيد على أهمية التعليم والتوعية لمنع سوء الفهم.
  5. المرونة في التطبيق: مراعاة الظروف الاجتماعية والثقافية في التطبيق

التوجيهات الطبية والنصائح العملية

بعد استعراض الجوانب الشرعية والفقهية في حكم ختان الإناث، من المهم أن نقدم توجيهات طبية عملية للأسر التي قد تواجه هذه القضية. هذه التوجيهات تهدف إلى حماية الفتيات من الأذى مع احترام المعتقدات الدينية الصحيحة.

التقييم الطبي الأولي

·      متى يجب استشارة الطبيب؟

لا يجب اللجوء إلى أي تدخل طبي في المنطقة التناسلية إلا في حالات محددة جداً:

  1. وجود أعراض مرضية: مثل التهابات متكررة أو ألم مستمر.
  2. مشاكل في النظافة: صعوبة في الحفاظ على النظافة رغم العناية المناسبة.
  3. مشاكل وظيفية: مثل صعوبة في التبول أو مشاكل في الدورة الشهرية.
  4. تشوهات خلقية: مثل تضخم غير طبيعي في البظر أو تشوهات أخرى.

عند وجود أي من الأعراض المذكورة، يجب:

  1. استشارة طبيب نساء وتوليد مختص: تجنب الذهاب لغير المختصين.
  2. الحصول على رأي ثاني: في الحالات المعقدة، يُنصح بالحصول على رأي طبي ثاني.
  3. إجراء الفحوصات اللازمة: قد تشمل فحوصات الدم أو الأشعة أو تحليل الكروموسومات.
  4. التأكد من التشخيص: عدم الاستعجال في اتخاذ قرارات جراحية قبل التأكد من التشخيص.

·      الحالات التي قد تتطلب تدخلاً طبياً

تضخم البظر (Clitoromegaly)

هذه حالة نادرة جداً قد تتطلب تقييماً دقيقاً:

التشخيص التفريقي:

  • التأكد من الجنس: إجراء تحليل الكروموسومات للتأكد من أن الطفل أنثى وليس ذكر.
  • فحص الأعضاء الداخلية: باستخدام الأشعة للتأكد من وجود الرحم والمبايض.
  • تحليل الهرمونات: لاستبعاد اضطرابات الهرمونات

العلاج: إذا تأكد التشخيص، فإن العلاج لا يشمل قطع أي نسيج من البظر، وإنما:

  • دفن الجزء الزائد: تثبيت الجزء الظاهر من البظر تحت الجلد.
  • إزالة الجلد الزائد فقط: دون المساس بالنسيج الوظيفي.
  • الحفاظ على الوظيفة: ضمان عدم تأثر الوظيفة الحسية أو الجنسية.
وجود غطاء زائد للبظر

في حالات نادرة، قد يكون هناك غطاء جلدي زائد يسبب مشاكل:

المؤشرات للتدخل:

  • التهابات متكررة: بسبب تجمع الإفرازات تحت الغطاء.
  • صعوبة في النظافة: رغم العناية المناسبة.
  • مشاكل في الإحساس: عند البالغات المتزوجات.

إذا تأكدت الحالة فإن الإجراء الطبي يكون

  • إزالة الجلد الزائد فقط: دون المساس بالبظر نفسه.
  • الحفاظ على الإمداد الدموي والعصبي: لضمان عدم تأثر الوظيفة.
  • التعقيم الكامل: في بيئة طبية آمنة
ضوابط السلامة الطبية
ضرورة اختيار الطبيب المناسب
  • التخصص: يجب أن يكون طبيب نساء وتوليد أو جراح تجميل مختص
  • الخبرة: يُفضل طبيب له خبرة في هذا النوع من العمليات
  • السمعة الطبية: التأكد من سمعة الطبيب وأخلاقياته المهنية
  • التفهم الثقافي: يُفضل طبيب يفهم الخلفية الثقافية والدينية للأسرة
البيئة الطبية
  • المستشفى أو العيادة المجهزة: تجنب الإجراءات في بيئات غير طبية.
  • التعقيم الكامل: ضمان استخدام أدوات معقمة ومعايير النظافة الطبية.
  • التخدير المناسب: استخدام تخدير مناسب لتجنب الألم والصدمة.
  • المتابعة الطبية: ضمان وجود خطة للمتابعة بعد العملية
  • شرح الإجراء: يجب أن يشرح الطبيب طبيعة الإجراء بالتفصيل.
  • توضيح المخاطر: شرح المخاطر المحتملة والمضاعفات.
  • شرح البدائل: توضيح البدائل العلاجية الأخرى.
  • الموافقة الكتابية: الحصول على موافقة كتابية من المريضة أو وليها.
التأهيل النفسي والاجتماعي
للأطفال الصغار: إذا كان هناك ضرورة طبية حقيقية لإجراء أي تدخل للأطفال فإن التحضير النفسي في غاية الأهمية
  • الشرح المناسب للعمر: استخدام لغة مناسبة لعمر الطفل.
  • التدرج في الشرح: عدم إعطاء معلومات مفاجئة أو مخيفة.
  • الطمأنينة: التأكيد على أن الهدف هو العلاج وليس الإيذاء.
  • الدعم العاطفي: توفير الدعم العاطفي قبل وبعد الإجراء
  • الوحدة الأسرية: تجنب الخلافات الأسرية حول الموضوع أمام الطفل.
  • الصدق المناسب: قول الحقيقة بطريقة مناسبة للعمر.
  • الدعم المستمر: توفير الدعم النفسي المستمر.
  • المتابعة النفسية: مراقبة أي علامات للضغط النفسي أو الصدمة
للمراهقات والبالغات: تلعب الاستقلالية في القرار دورًا ناجعا للبالغين، ويمكن أيضا:
  • المشاركة في القرار: إشراك المراهقة أو البالغة في اتخاذ القرار.
  • التعليم الصحي: تقديم تعليم صحي شامل حول الجهاز التناسلي.
  • احترام الخصوصية: احترام حق المراهقة في الخصوصية.
  • الدعم النفسي: توفير دعم نفسي متخصص عند الحاجة.

علامات الخطر التي تستدعي التدخل الفوري

هناك بعض علامات تشير إلى وجود خطر يجب التدخل الفوري معه سواء كان أثناء الإجراء أو بعده، مثل:

  • النزيف الشديد: أي نزيف لا يتوقف خلال وقت معقول.
  • علامات العدوى: حمى، احمرار، تورم، أو إفرازات غير طبيعية.
  • الألم الشديد: ألم لا يستجيب للمسكنات العادية.
  • صعوبة في التبول: عدم القدرة على التبول أو ألم شديد أثناء التبول.
  • تغيرات في الوعي: أي تغيرات في مستوى الوعي أو الاستجابة.
  • تغيرات في السلوك: انطوائية مفاجئة أو تغيرات جذرية في الشخصية.
  • اضطرابات النوم: كوابيس، أرق، أو خوف من النوم.
  • تجنب المواضيع المتعلقة: رفض الحديث عن الجسد أو الصحة.
  • أعراض جسدية: صداع، آلام في البطن، أو أعراض أخرى بدون سبب طبي واضح.

خلاصة والتوصيات في ختان الإناث

بعد هذا الاستعراض الشامل لقضية ختان الإناث من جوانبها المختلفة – الطبية والشرعية والاجتماعية – يمكننا أن نخلص إلى عدة نتائج مهمة وتوصيات عملية تهدف إلى حماية الفتيات وتوضيح الحقائق للمجتمعات.

·      التمييز الجوهري بين المفاهيم

أهم ما يجب فهمه من هذا المقال هو التمييز الواضح بين:

الختان الحق (الشرعي): وهو إجراء طبي محدود جداً يقتصر على إزالة جزء يسير من الجلد الزائد الذي قد يغطي البظر (إن وجد)، دون المساس بالبظر نفسه أو أي عضو وظيفي. هذا الإجراء نادر الحاجة، ولا يُجرى إلا عند وجود ضرورة طبية حقيقية، وبواسطة طبيب مختص، وبموافقة المريضة البالغة العاقلة.

تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية (FGM): وهو مجموعة من الممارسات الضارة التي تشمل قطع أو إزالة أجزاء من الأعضاء التناسلية الأنثوية دون مبرر طبي. هذه الممارسات محرمة شرعاً وقانونياً، وتسبب أضراراً جسيمة جسدياً ونفسياً، ولا تمت للدين الصحيح بأي صلة.

·      الموقف الشرعي الواضح

الإجماع على تحريم التشويه: جميع المؤسسات الدينية المعتبرة في العالم الإسلامي تحرم تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية وتعتبره جريمة ضد الإنسانية.

الخلاف في التفاصيل: يوجد خلاف فقهي حول تفاصيل الختان الشرعي ومدى وجوبه، ولكن هذا الخلاف لا يبرر الممارسات الضارة الشائعة.

الأولوية للسلامة: عند الشك أو عدم وضوح الحاجة الطبية، الأولوية دائماً لسلامة الإنسان وعدم إيذائه.

·      الحقائق الطبية الثابتة

الأضرار الجسيمة للتشويه: تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية يسبب أضراراً جسيمة فورية وطويلة المدى، تشمل النزيف، العدوى، الألم المزمن، مشاكل الولادة، والاضطرابات النفسية.

عدم وجود فوائد طبية: لا توجد أي فوائد طبية لتشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، بل على العكس، فهو يضر بالوظائف الطبيعية للجسم.

ندرة الحاجة للتدخل: الحاجة الطبية الحقيقية لأي تدخل في المنطقة التناسلية الأنثوية نادرة جداً، ومعظم الحالات لا تتطلب أي تدخل.

·      التوصيات العملية

للآباء والأمهات

  1. التعليم الذاتي: تعلموا الحقائق الطبية والشرعية الصحيحة من مصادر موثوقة.
  2. رفض الضغوط: لا تستسلموا للضغوط الاجتماعية أو العائلية التي تضر بمصلحة بناتكم.
  3. الاستشارة المتخصصة: عند وجود أي مشكلة صحية، استشيروا أطباء مختصين وموثوقين.
  4. التربية الصحيحة: ربوا بناتكم على احترام أجسادهن وحمايتها من أي أذى.
  5. بناء الثقة: اخلقوا بيئة من الثقة تسمح لبناتكم بالتحدث عن أي مخاوف صحية.

للمؤسسات التعليمية

  1. تطوير المناهج: أدرجوا التربية الصحية والدينية الصحيحة في المناهج التعليمية.
  2. تدريب المعلمين: دربوا المعلمين على التعامل مع هذه القضايا الحساسة..
  3. برامج التوعية: نظموا برامج توعية للطلاب وأولياء الأمور.
  4. الكشف المبكر: دربوا الكوادر على اكتشاف علامات التعرض للأذى أو الصدمة.

خاتمة

إن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان في أحسن تقويم، وجعل في جسده حكماً بالغة ووظائف دقيقة. وقد أمرنا بالحفاظ على هذه النعمة وعدم الإضرار بها إلا لضرورة شرعية أو طبية حقيقية. وحماية بناتنا من التشويه ليست فقط واجباً إنسانياً وقانونياً، بل هي أيضاً واجب ديني وأخلاقي.

لقد وهبنا الله العقل والعلم لنميز بين الحق والباطل، وبين النافع والضار. فلنستخدم هذه النعم في حماية أطفالنا وضمان مستقبل أفضل لهم. ولنتذكر أن كل فتاة نحميها من الأذى هي انتصار للإنسانية والعدالة والرحمة.

إن الطريق قد يكون طويلاً وصعباً، ولكن بالإرادة الصادقة والعمل المتواصل والتعاون الجماعي، يمكننا أن نحقق هدفنا في حماية جميع الفتيات وضمان حقهن في النمو بصحة وكرامة وأمان.

روجع من قبل اللجنة العلمية.

وكتبه أسيم نصار لموقع pinprick